دكتور راغب مفتاح

22/04/2010 12:18

تغير الشكل العام لتراث الموسقى القبطية عندما بدء د.راغب مفتاح المحافظة على الألحان والنصوص القبطية و تسجيلها والتى كانت تتوارث بالتواتر.

ولد د. راغب مفتاح فى12  ديسمبر سنة 1898 وسافر إلى المانيا فى سنة 1919 ليحصل على بكالوريوس الزراعة من جامعة بون ثم تفرغ بعد ذلك لدراسة تاريخ الموسيقى بأوروبا.

رجع إلى مصر فى عام 1926. خدم كرئيس لقسم الموسيقى والألحان بالمعهد العالى للدراسات القبطية الذى ساهم فى تأسيسه عام 1955. كطفل لعائلة بها عشرة أطفال يعهد راغب مفتاح إلى أن والدته هى مصدر الهامه وإلى عائلته التى كانت تسانده حتى حقق هذا النجاح.

نشر القداس الباسيلى فى عام 1998 مباشرة بعد العيد المئوى لميلاد د.راغب مفتاح. فلأول مرة فى التاريخ أصبح يوجد تسجيلات صوتية وكتابية باللغات القبطية والعربية والأنجليزية مصحوبة بالنوتات الموسيقية. وهذا كان مجرد جزء من مشروع حياة د.راغب مفتاح للحفاظ على التراث القبطى.

ففى عام 1927 بدأ مشروع المحافظة على تراث الألحان والموسيقى القبطية خوفاً عليها من الإندثار وتاثير أجهزة الإعلام الحديثة عليها.

بدأ د.راغب مفتاح الحفاظ على الموسيقى القبطية بتسجيل الألحان المؤداة بصوت المعلم ميخائيل جرجس البتانونى (وهو رئيس مرتلى الكاتدرائية المرقسية) وفى نفس الوقت كان الأستاذ أرنست نيولاند سمث (الأستاذ بالأكادمية الموسيقية بلندن) يدون هذه الألحان فى شكل نوت موسيقية، حتى تمكنوا من تسجيل أول عمل وهو مردات القداس الباسيلى.

يعتبر نشر القداس الباسيلى اكتمال لعمل أستغرق حياة د.راغب مفتاح و نتيجة لتعاون ناجح بين قداسة البابا شنودة ومارك لينز مدير النشر بالجامعة الأمريكية فى القاهرة ود.مارثا روى ود.مارجيت توث. وهم موسيقين جامعين، د.روى تتقن اللغات العربية، القبطية والألمانية ود.توث رئيسة قسم الموسيقى بجامعة بودابست وساهما بمجهود كبير فى اعمال إنتاج وتسجيل القداس الباسيلى. فدكتور راغب يختار قطع الألحان ود.مارثا تترجمهم و د.مرجيت تدون هذا إلى نوت موسيقية غربية. وكانت هناك بعض المشاكل تعوق مفاوضات النشر مع الجامعة الأمريكية إلى أن تدخل قداسة البابا شنوده (وهو صديق حميم لدكتور راغب) بحسم هذه المشاكل بإعلان قداسة البابا «بأن هذه الموسيقى هى ملك للكنيسة وليست ملك أى انسان» وكان هذا حافزاً لإنهاء اجراءات حقوق الطبع والنشر.

وفي مقابلات مختلفة ذكر د.راغب أن هناك ثلاث مصادر للألحان الكنسية وهي المصرية القديمة، والعبرية واليونانية. فإن جماعة المسيحيين الأولين أخذوا ألحاناً من مصر القديمة ووضعوا لها النصوص المسيحية ومن بين هذه الألحان لحن (غولغوثا) الذي كان يستعمله قدماء المصريين أثناء عملية التحنيط وفي مناسبة الجنازات ولحن (بين أثرونسي) الذي يشتمل نصفة الأول علي نغمات حزينة تردد لوفاة الفرعون ونصفة الآخر علي نغمات مبهجة تردد لزفاف الفرعون المنتقل إلي مراكب الشمس لتصحبه إلي (رع) في دنيا الخلود. كما أنه انسكبت موهبة التلحين الموسيقي الروحي في عصر من أزهي العصور الروحية للكنيسة علي كثير من الموهوبين من أمثال:

1- كليمنضس السكندري: واضع لحن (تسبحة المسيح المخلص)

2- القديس اثناسيوس الرسولي: واضع لحن (الوحيد الجنس – أومونوجينيس)

3- مار أفرام السرياني: والمسمي بقيثارة الروح القدس

4- ايلاري من بواتية: (386 م) أول مؤلف للألحان اللاتينية

5- امبروسيوس:أمير اللحن اللاتيني. وهناك بعض تأثيرات الموسيقي العبرية (موسيقي المعبد اليهودي) التي دخلت عن طريق اليهود المتنصرين بالأسكندرية. وبعض الألحان التي أضافها البابا كيرلس الرابع من الكنيسة اليونانية مثل ألحان القيامة (طونسينا، توليثوس، لحن العذراء آطاي بارثينوس) وغيرها.

وفي حديث خاص مع د.راغب في سنة 1991 قال «إن الصنوج المستخدمة في الصلاة هذه الأيام هي حديثة واضافة وتصور خاطئ للناقوس الذي كان يستخدم في الأزمنة القديمة. والذي كان يستخدم لضبط الإيقاع ليمكّن جموع المؤمنين من الترتيل معاً والناقوس هو أله غير كافية لإضافة أي انسجام للألحان القبطية، وتغير هذه العادات هو خطر كبير علي الألحان والموسيقي القبطية خصوصاً انها موسيقي صوتية لا تعتمد علي الآلات الموسيقية».

وكما ذكر د.راغب «إن الألحان والترتيل الخاص بالكنيسة القبطية هو أقدم موسيقي كنائسية في العالم». وفي نفس الحديث ذكر د.راغب «إن لأهمية هذه اللغة وموسيقاها وعذوبتها وسهولتها يجب تعليمها للأطفال منذ نشأتهم وذلك للحفاظ علي جمال طقوس الكنيسة وتراثنا المصري. فقد وهب الله الأطفال ذاكرة ممتازة للغات وحفظ الكلمات». ويقول أيضاً على اللغة القبطية «إنها لغة الصلاة وأن ميزة هذه اللغة ان أغلب كلماتها تحتوي علي حروف متحركة كثيرة تؤدي إلى سهولة اللفظ وجمال الغناء، لهذا السبب تُفقد أنغام هذه اللغة عندما تنقل إلى لغة أخري 70 % علي الأقل من أصولها الموسيقية.

عمل دكتور راغب مع نخبة من أحسن المرتلين والموسيقيين أمثال الموسيقي الأستاذ ارنست نيولاند سميث والمعلم ميخائيل جرجس البتانوني وأيضاً المرتلين والعرفان الذين يمسكون بزمام التراث القبطي أمثال المعلم فرج والمعلم ميلاد والمعلم جاد والمعلم توفيق بدير المحرق.

كما اشترك في تأسيس معهد الدراسات القبطية عام 1955 مع كل من دكتور عزيز سوريال عطية ودكتور سامي جبره ودكتور مراد كامل.

هذا التراث القبطي الكنسي لم يتم نشره حتي عام 1991 لأن د.راغب أدرك أن كتابة هذه الألحان في شكل نوت موسيقية ليس كافياً من أجل تعليم وتدريس هذه اللغة بنجاح فقال«يجب علي الأقباط ان يتعلموا ويقرأوا هذا التراث الكنسي والمحافظة علي هذه الجوهرة الثمينة التي وصلت إلينا من حوالي ألفي عام وأستلمه جيل بعد جيل»

في عام 1963 عن عمر يناهز السبعين عام تزوج د.راغب مفتاح من السيدة ماري جبرائيل رزق وهذا كان فصل جديد في حياة د .راغب والذي يبدو أنه لم يتأثر بالعالم الذي يدور حوله.

فمرت علي دكتور راغب أحداث عالمية مختلفة منها الحربين العالمتين الأولي والثانية وثورة 1952 والعدوان الثلاثي والحرب علي اسرائيل وغيرها من أحداث.

عاش د.راغب حياته في منزله القاطن بالجيزة قرب الأهرامات وما زال يمتلك البيت العائم علي ضفاف النيل حيث بدأ به مشروع الحفاظ علي التراث الكنسي القبطي مع الأستاذ أرنست نيولاند سميث 1927.

تكليلاً لجهود دكتور راغب وإخلاصه المتفاني قامت منظمة اليونسكو الدولية بتقديره عالمياً ونشر اعماله.

في عام 1932 اختارته الحكومة المصرية ليكون ممثلاً للموسيقي القبطية في مؤتمر لدراسة الموسيقي الشرقية وفي عام 1940 كوّن فرقة مرتلين من طلبة الإكليريكية وخورسين: احدهما لطلبة الجامعة والثاني للطالبات.

وفي عام 1945 أقام مركزاً لتعليم الألحان للمعلمين والشمامسة في وسط القاهرة وأسند التدريس فيه إلي المعلم ميخائيل.

والعمل التاريخي عمل لدكتور راغب مفتاح هو تدوين القداس الأرثوذكسي القبطي للقديس باسيليوس مع ترجمة موسيقية كاملة والذي أستغرق اكتماله ثلاثين عاماً. قامت الجامعة الأمريكية بالقاهرة سنة1998 بنشر هذا العمل وهو يحتوي علي نص القداس كاملاً باللغة القبطية والعربية ويحتوي علي ترجمة انجليزية بالإضافة علي ستة أشرطة كاسيت للقداس الباسيلي ويشمل هذا العمل أيضاً عدد 26 بكرة لف لشرائط تحتوي تسجيل لقداس القديس اغريغوريوس والذي عادة يستخدم في الأعياد مثل الميلاد، القيامة والغطاس. فهذا العمل يعتبر أداة مهمة ولازمة لمعهد الدراسات القبطية ويعطي جموع الشعب القدرة علي الإتحاد والألفة بالجمال الحقيقي لهذا التراث الموسيقي.

الإخلاص المتفاني والعمل الأمين المتواصل والمجهود الذي قدمه دكتور راغب أدّي إلى المحافظة علي التراث الكنسي الموسيقي لأجيال عديدة مما جعل قداسة البابا شنودة يقول"تهنئة خاصة لهذا القبطي الغيور الذي مد الله في عمرة المثمر حتي أتي به إلى هذا الحفل المئوي مؤدياً رسالة ما كان يستطيعها إلا هو وشكراً لله علي حفظه لنا وشكراً علي حفظهم لألحاننا بمجهوده وتكريسه".

شكر خاص إلى جناب الأب الورع القمص متياس نصر منقريوس الذى لولا مساهمته ما امكننا إخراج هذا الموضوع

للخلف

ابحث فى الموقع

جميع الحقوق محفوظة لجوزيف جرجس 2010 ©